القضية الفلسطينية : اتساع الخرق على الراتق |
في كل مرة أتابع فيها مسار القضية الفلسطينية من خلال الدراسات و التحليلات و المقالات التي تحاول الإحاطة بخيوط القضية المتشابكة، و تحاول مسيرة الأحداث المتسارعة ربط بعضها ببعض لتتضح الصورة بجلاء ، أجد أن بعض تلك المحاولات تظل حبيسة تعصب حزبي يمنعها من تقديم الصورة الواضحة لمسألة أكبر من حسابات الأحزاب الضيقة، كما أن ذلك يؤدي إلى اختزال القضية و تقزيمها. أو تظل تلك المحاولات تراوح مكان الوصف دون مس جوهر القضية ، ثم أن الأسلوب النخبوي الذي تقدم به القضية، يجعلنا أمام شارع عربي ينتفض فقط كلما رأى مشاهد الدماء و الدمار على شاشات التلفاز، دون أن يفهم عمق الأحداث و ما يدور خلف الدبابات و دون أن يستطيع ربط المشاهد المتتالية، لأن كل حدث يقع ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة حسب اعتقادي... و تبقى كل التحليلات المعتمدة تجمع على أن القضية الفلسطينية دخلت نفقا مظلما، يحتاج منا جميعا دون استثناء فهما يجعلنا نمتلك الآليات اللازمة للتعامل مع القادم من فصول قضية تعتبر القضية الأم لهذه الأمة، فما جرى و يجري خلال الأيام القليلة الماضية ينبئ بسيناريو كارثي تتواطؤ من خلاله كل الأطراف الدولية و منها الأنظمة العربية على تصفية القضية الفلسطينية، و أعتقد أن السبب الرئيس في هذه الكارثة القادمة هم قادة السلطة المحسوبين على حركة فتح حينما سمحوا عبر سلسلة من السياسات و التصورات الخرقاء و التنازلات البليدة لأنفسهم بالوقوع في الفخاخ "الاسرائيلية" و الأمريكية التي هدفت إلى تفريغ الحركة أو تهميش قادة المقاومة و تعويضهم بأناس يتهافتون على كراسي سلطة وهمية و ينصبون أنفسهم أوصياء على البلاد و العباد، و يؤدون دور حرس حدود "اسرائيل". من يتابع الصحافة الاسرائيلية هذه الأيام يكتشف النوايا الحقيقة من الحراك الأخير و يفهم ملامح القادم من سيناريوهات ، فالظاهر للعيان هو الإعداد لتقديم مبادرة سلام جديدة على أنقاض الاتفاقيات و المواثيق السابقة ، أطلقت عليها صحيفة "هآرتس" "مبادرة أوباما للسلام"، وبحسب الصحيفة ذاتها فإن كبار المسؤولين في البيت الابيض اطلعوا الدبلوماسيين الاوروبيين على أنه في الاسابيع القريبة القادمة، ستعلن الولايات المتحدة اتفاق «اجراءات بناء ثقة» تبلور مع كل الاطراف في الشرق الاوسط وذلك للسماح باستئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة و تجميد الاستطان لعدة شهور. مؤكدين من جهة أخرى على تقدم ملموس حققوه في مسار إقناع العربي بالتطبيع و فتح قنوات التواصل مع "اسرائيل" دون الإفصاح عن تفاصيل ذاك التطبيع. في الوقت الذي كشف فيه التلفزيون الإسرائيلي عن أهم نقاط الاتفاق القادم و هي كالاتي : ـ استمرار البناء في القدس. ـ إتمام بناء 2500 وحدة سكنية تم بدء البناء فيها في مستوطنات الضفة الغربية. ـ يسمح ببناء مبان عامة. ـ يتم تجميد كل ما عدا ذلك لمدة تسعة شهور. -المقابل التطبيعي العربي. ـ فتح مكاتب تجارية إسرائيلية في بعض دول الخليج العربي، قطر، عمان، البحرين وكذلك في المغرب وتونس. ما لم يتم الاتفاق عليه هو ما سوف يجري بعد انتهاء فترة التجميد. ـ ليست هناك موافقة أميركية رسمية أو مكتوبة حول استئناف البناء بعد انتهاء فترة التجميد. ـ لم يتم الاتفاق على السماح لإسرائيل باستخدام الأجواء العربية في رحلات طيرانها المدني. ومن المقرر أن يصل المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشيل إلى إسرائيل الأربعاء المقبل. من جهة أخرى كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن محضر لقاء بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وعدد من زعماء المستوطنين في الشهر الفائت يؤكد التقارب في الرأي بينه وبينهم. وقال نتنياهو للمستوطنين: "في نهاية المطاف، كلنا معنيون بالشيء ذاته. ولكن يجب العمل بعقل". فنتنياهو إذن بعث برسالة مزدوجة في اتجاهين متناقضين: أولا نحو اليمين الإسرائيلي، وتؤكد أن نتنياهو أقر بناء 500 وحدة سكنية جديدة في الكتل الاستيطانية، قبل أن يعلن تجميد البناء في المستوطنات، وثانيا، إبلاغ الإدارة الأميركية بأن بناء هذه الوحدات لن يتم قبل نصف سنة أو سنة وهي فترة تجميد الاستيطان. هنا يبدوا لنا بجلاء كيف يتم تنويم لدرجة استحمار المجتمع الدولي بالحديث عن عملية سلام شاملة يكون فيها لـ"إسرائيل" أن تدخل أسواقنا من بابها الواسع كما حدث مؤخرا ببلدنا فيما بات يعرف بالتمر" الإسرائيلي"...و ليست "إسرائيل" وحدها هي من تمارس ذاك الاستحمار بل إن بعض الأنظمة العربية تحاول أن تظهر بموقف الممانع و الرافض للتطبيع علنا في حين لازالت اللقاءات السرية مستمرة، و كان آخرها زيارة رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلية الدكتور "عوزي أراد" سرا للعاصمة الأردنية في الأسبوع الفائت. ما المطلوب منا إذن أمام هذا المشهد الضبابي ؟؟؟ فهذه المبادرة التي يريدون تمرريها لا تخدم القضية الفلسطينية بقدر ما تخدم دولة العدو بحيث ستفتح أمامه بيوتنا و أرضنا و أسواقنا و مجالنا الجوي حتى يدعم اقتصاده و يعزز موقفه ضد إخواننا الفلسطينين... المبادرة بكل بساطة تحاول إخفاء ما يجري في القدس من محاولات متكررة من قبل الصهاينة من أجل تهويد القدس و طمس معالمه العربية و الإسلامية ، عبر خطة محكمة تقضي في أسوء بنودها بإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ، يضاف إلى ذلك فرض الصهاينة على العرب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية و هذا يعني طي و شطب ملف اللاجئين نهائيا... هكذا يمكن القول أن القضية الفلسطينية أصبحت خرقا عظيما يصعب رتقه ، إلا عبر المقاومة و الكفاح المسلح. |